وجاهة أسباب الصمت العربي تجاه ما يجري للفلسطينيين!

Publié le par kaddour

وجاهة أسباب الصمت العربي تجاه ما يجري للفلسطينيين!

 


شاكر النابلسي 
الحوار المتمدن-العدد: 840 - 2004 / 5 / 21 - 18:49 
المحور: القضية الفلسطينية 
     

-1-
بلغ التنكيل بالشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة حدّه الانساني الأقصى. وهذا التنكيل لم يبلغ حده الأقصى الآن فقط، ولكنه بلغ حدّه عدة مرات طيلة أكثر من خمسين عاماً من عمر القضية الفلسطينية.

لم يقتصر التنكيل بالشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة على اسرائيل المحتلة فقط، ولكنه تعدّاه الى السلطة الفلسطينية التي ساهمت بغبائها السياسي، وضيق أفقها، وخوفها على حياتها من غوغاء ودهماء الشارع الفلسطيني من اتخاذ القرار السياسي الواقعي الحكيم في اللحظة التاريخية المناسبة وفي الزمان والمكان المناسبين، بحيث بقيت السلطة الفلسطينية وضاعت الأرض الفلسطينية، وعاشت السلطة الفلسطينية وقُتل الشعب الفلسطيني، وتمترست السلطة الفلسطينية في مكاتبها المكيفة، وتشرّد الشعب الفلسطيني، وركبت السلطة الفلسطينية السيارات الألمانية الفارهة المكيفة وركب الشعب الفلسطيني نفسه، أو ركب الحمير والبغال في أحسن الظروف.

-2-
وساهمت الفصائل الدينية والقومية الفلسطينية المسلحة في التنكيل بالشعب الفلسطيني وذبحه ذبح الخراف حين أصرّت على دخول معركة عسكرية غير متكافئة القوى بينها وبين اسرائيل كأكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط، تستطيع أن تهزم الجيوش العربية العشرين مجتمعة، لو جُنَّ جنون العرب وتحدوها في يوم ما. وهذا ما وصفناه في السابق بلعبة "البنج بونج" أو "تنس الطاولة" الدموية التي اشتركت فيها الفصائل الدينية والقومية الفلسطينية المسلحة مقابل شارون اللاعب الدموي المحترف، اضافة إلى ما يملكه من تقنية دموية عالية المستوى تتكفل بقمع والقضاء على الطرف الخصم اللاعب بشراسة ووحشية.
والفصائل الدينية والقومية الفلسطينية المسلحة أصرّت وتصرُّ على الاستمرار بلعبة "البنج بونج" وهي تعلم علم اليقين بأنها هي الخاسرة، وأن القضية الفلسطينية هي مشكلة سياسية، ويجب حلها سياسياً تفاوضياً كما قال حكيم فلسطين محمود عباس (أبو مازن). ولكن الفصائل الدينية الفلسطينية المسلحة في الدرجة الأولى، إذا لجأت إلى الحل السياسي التفاوضي، فسوف تخسر رصيدها في شارع الغوغاء والدهماء الفلسطيني، وسوف تنتهي الى محاريب المساجد وليس إلى منابر السياسة، حيث لا تملك من خطابها السياسي إلا هذا الرصيد الدموي الذي تبدده يوماً بعد يوم من أجل البقاء في السلطة الدينية الفلسطينية المسلحة، والتي هي الحاكم الفعلي الآن للشارع الفلسطيني المتشنج والعاطفي والثأري الدموي، حيث تعطل العقل العربي ومن بعده العقل الفلسطيني، وأصبح العرب خُرسان، ألسنتهم الطلقة والقتبلة ومدافع الهاون والأربي جي والسكين، ويتكلمون بأصابعهم المشتعلة لا بألسنتهم العاقلة، وبصوت عالٍ. 
وحين يتعطل العقل، وتخرس الألسنة، لا وسيلة للتعبير عن الذوات غير الأصابع كما يقول الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي في "حياة ما بعد الياء". فقد تحوّل العرب والفلسطينيون من بعدهم إلى خُرسان، أصابعهم المشتعلة تتكلم بصوت عالٍ. بل إن هذا الصوت العالي أصبح صوتاً مدمراً لهم وللعالم أجمع، كما نرى الآن داخل العالم العربي وخارجه.

-3-
لقد ساعد إعلام الدهماء والغوغاء الذي يخاطب العواطف، ولا يخاطب العقل ويُمنّي بالأحلام ولا يَعدُ بالحقائق، وهمّه الأول والأخير كسب رضا واقبال المتلقين من الدهماء والغوغاء التي لم تجد مرشداً لها يدلها على طريق الصواب والعقل.. هذا الإعلام عمل على قطع اللسان العربي السياسي ورميه للكلاب والغربان القادمين من أفغانستان، واستبداله بالأصابع الدينية والقومية الأصولية الملتهبة والمشتعلة التي تحرق الآن العالم العربي من يساره إلى يمنيه، وتتكلم بصوت عالٍ. وساعده على ذلك أنه يخاطب شعباً من البداوة لا علم لهم بالسياسة، ولا تاريخ سياسياً مدنياً ديمقراطياً لهم، منذ أكثر من خمسة عشر قرناً.
والحال الآن، أن لا لسان عربياً ينطق بشجاعة وجرأة وصراحة تامة بالحق والواقعية والرشاد والموضوعية، وينير المستقبل للعرب الذين هم في غالبيتهم من الدهماء والغوغاء نتيجة لوجود سبعين مليون أمي أبجدي، وأكثر من مائتي مليون أمي ثقافي ( أقل من نصف بالمائة من سكان العالم يقرأون الكتب، وواحد بالمائة فقط يقرأون الصحف، والكتاب الجيد يوزع ألف نسخة فقط)، ودخل سنوي هو في المتوسط بين الدول غير المنتجة للنفط (سكانها 80٪ من سكان العالم العربي) ألف دولار في العام؛ أي ثلاثة دولارات فقط في اليوم، لا تكفي لشراء ثلاثة سندويشات فلافل يومياً.

-4-
والسؤال الآن:
ما هي وجاهة أسباب الصمت العربي الرسمي والشعبي تجاه ما يجري للفلسطينيين من تنكيل وتعذيب وتشريد؟
لهذا الصمت أسبابه الكثيرة منها:

1- أن العرب أنظمة وشعوباً قد انهمكوا في القضية الفلسطينية أكثر من نصف قرن من الزمان، وقد تعبوا من هذه القضية التي عادت عليهم بالضرر الكبير أكثر مما عادت بالنفع. فامتلأت الدول العربية المجاورة لفلسطين باللاجئين الفلسطينيين الذين فرشوا الأرض بالمخيمات، وزادوا من نسبة البطالة والفقر في هذه البلدان. وهم الذين تزايدوا سكانياً منذ العام 1948 إلى الآن أربعة أضاف. وهم يفاخرون بهذا الانفجار السكاني الذي يعتقد بعض المحللين السياسيين المثاليين بأنه السلاح الفلسطيني الوحيد في وجه اسرائيل، ولا يعلمون بأن تايوان كانت في وقت من الأوقات أقوى من الصين الأم. كما أن هونغ كونج كانت أغنى وأرقى من الصين الأم. وأن قنبلة الانفجار السكاني الآن هي أخطر قنبلة يمكن أن تواجه الشعوب النامية والراقية. والمثال الأقرب والأوضح الآن أمامنا هو مصر وما فعلته قنبلة الانفجار السكاني التي حطمت كل مشاريع التنمية وأحالت مصر إلى بلد فقير وجائع. وأن قنبلة الانفجار السكاني التي يفجرها كل يوم الفلسطينيون تزيد القضية الفلسطينية تعقيداً، حيث يزداد المطالبين بحق العودة إلى فلسطين ما قبل 1948 أضعافاً مضاعفة، مما يُعقّد حلَّ القضية، وبحيث أصبح من المستحيل استيعاب عشرة بالمائة منهم، فما بالك بالجميع.

2- كان لدى العرب مصالح سياسية واقتصادية واستثمارية كثيرة مع الغرب ومع أمريكا، ولقد تعطلت هذه المصالح وضاعت فرص سياسية واقتصادية واستثمارية كثيرة على دول العالم العربي نتيجة لموقفها المتماهي مع موقف الدهماء والغوغاء في الشارع والسلطة الفلسطينية إما نتيجة للخوف، وإما لعدم القدرة على استطلاع المستقبل.

3- إن الخوف والرعب الذي أدخلته الغوغاء والدهماء والفصائل الدينية والقومية الفلسطينية المسلحة في قلب الحكام العرب والسياسيين العرب وقادة الرأي السياسي العربي، فيما لو تم تأييد حل تفاوضي سياسي سلمي مرحلي وليس شاملاً للقضية الفلسطينية قد جعل كل هؤلاء يحجمون عن التدخل في القضية الفلسطينية تدخلاً سياسياً واقعياً شجاعاً، لا يُرضي الغوغاء والدهماء والفصائل الدينية والقومية الفلسطينية المسلحة. ولعل مقتل الملك عبد الله الأول ملك الأردن على باب المسجد الأقصى في 1951 بيد الفلسطيني مصطفى عشو لميل الملك الفقيد إلى حل القضية الفلسطينية حلاً سلمياً مرحلياً، وكذلك مقتل أنور السادات في 1981 لتوقيعه معاهدة كامب ديفيد السلمية مع اسرائيل والاغتيالات الأخرى التي تكررت في الأردن ولبنان لرموز السياسة العربية والفلسطينية المطالبة بالحل السلمي المرحلي، والاتهام بالخيانة لكل من ينادي بذلك (بورقيبة مثالاً لا حصراً).

4- إن ديكتاتورية السلطة الفلسطينية المتعفنة وامتلاكها لفرق الموت والاغتيالات في معظم أنحاء الوطن العربي وخاصة الدول المجاورة لفلسطين، قد دفعت الدول العربية إلى مداهنة القيادات الفلسطينية والكذب عليها، والابتعاد عن مجرد ابداء الرأي الشجاع والصريح والواقعي وتقديم النصيحة للسلطة الفلسطينية بأن تنقذ شعبها وتكون واقعية مع هذا الشعب، وتفرض عليه ما يحتاج، لا ما يريد.

وبالأمس عندما أشار الملك عبد الثاني ملك الأردن من بعيد في حديثه لصحيفة "نيويروك تايمز" إلى ضرورة أن يقف عرفات أمام المرآة ليرى وجهه جيداً، وليسأل نفسه: هل بقاؤه مفيد أو مضر للقضية الفلسطينية؟ وهي دعوى ذكية غير مباشرة من الملك الأردني لعرفات لكي يتنحى، ثارت ثائرة الغوغاء والدهماء الفلسطينية مما اضطر معه القصر الملكي إلى النفي والاعتذار عن سوء الفهم. وما كان هناك سوء فهم بقدر ما كان هناك الخوف من حُسن الفهم!

5- لقد توصلت الدول العربية والنخب العربية السياسية العاقلة إلى قناعة أن الموقف العربي هو المأكول المذموم كطعام البخيل. فمتى كان الموقف العربي على مزاج و(كيف) السلطة الفلسطينية، ويحقق لها أهدافها بالبقاء والنهب والفساد وتضخم الأرصدة في البنوك، ولا يمسّ الثوابت (بقاء عرفات وفتح في الحكم إلى ما شاء الله) تم قبوله والترحيب به (موقف مصر مثالاً). ومتى كان على العكس (موقف الأردن والمطالبة غير المباشرة للملك عبد الله لعرفات بالتنحي مثالاً) اعتُبر ذلك تدخلاً في الشأن الفلسطيني. كذلك هو موقف السلطة الفلسطينية من أمريكا والغرب. وعرفات بالأمس يطالب أمريكا بأن ترسل جيشها إلى غزة لحماية الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه تشجب السلطة الفلسطينية تدخل امريكا لحماية الشعب العراقي من ديكتاتورية صدام، وتطالب بانسحاب أمريكا من العراق فوراً، كشفاً لعورة النظام السياسي العراقي الجديد الذي ما زال في "اللفّة"، وما زال يحبو. ولم تعد امريكا على هذا النحو هي التي تكيل مكياليين كما نردد جميعاً، فقد أصبحت السلطة الفلسطينية تكيل بأكثر من مكيالين.

6- أصبح لدى العرب قناعة بأن القضية الفلسطينية لن يحلها محمود درويش بأشعاره القومية، أو سميح القاسم بقصائده الوطنية، أو ابراهيم نصر الله برواياته المتتابعة، أو ياسر عرفات باشارة النصر الهزيل المُفتقد التي يرفعها من حين لآخر. وأن القضية الفلسطينية أصبحت بحاجة إلى قيادات تاريخية وشجاعة تفتدي السلام بالنفس كما افتدى اسحق رابين وأنور السادات السلام بنفسيهما. وأن لا زعيم عربياً أو نظاماً عربياً لديه الاستعداد الآن أن يفتدي السلام الفلسطيني – الاسرائيلي بنفسه. فقد كادت أوطان أن تضيع (الأردن ولبنان مثالاً) نتيجة لذلك.

7- أصبح لدى العرب حكاماً ونخباً، قناعة تامة بأن الشوك الفلسطيني في الكف الفلسطيني لا يقتلعه غير الشعب الفلسطيني ذاته وبالوسيلة التي يراها. وأن على الشعب الفلسطيني أن يتألم أكثر، ويذوق العذاب والمرارة بشكل أعمق من العذاب والمرارة التي ذاقها حتى الآن، لكي يعرف ما معني السلام بأي ثمن، وليس بثمن معين.

فالشعوب لم تعرف معنى السلام الحقيقي بأي ثمن، إلا عندما احترقت احتراقاً شاملاً (اليابان والمانيا وكوريا أمثلة) فهل أن الحريق المدمر لم يصل بعد إلى الشعب الفلسطيني، وما نزل بالشعب الفلسطيني حتى الآن عبارة عن دغدغات وقرصات في الجوانب وتحت الآبط للزغزغة فقط، وأما الحريق الحقيقي المدمر فهو الآتي، فيما لو ظلت الدهماء والغوغاء والفصائل الدينية والقومية الفلسطينية المسلحة هي التي تتحكم في القرار الفلسطيني، وتحكم الشارع الفلسطيني كما هي الآن؟

انه سؤال يجيب على السؤال الرئيسي الكبير، وهو عنوان هذا المقال!

Shakerfa@worldnet.att.net

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article